الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **
/فأجاب: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله المحلل والمحلل له)، وعنه أنه قال: (ألا أنبئكم بالتيس المستعار؟). قالوا: بلي يارسول الله. قال: (هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له). واتفق على تحريم ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان ـ مثل عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر وغيرهم ـ حتى قال بعضهم: لا يزالا زانيين؛ وإن مكثا عشرين سنة إذا علم الله من قلبه أنه يريد أن يحلها له. وقال بعضهم: لا نكاح إلا نكاح رغبة، لا نكاح دلسة. وقال بعضهم: من يخادع الله يخدعه. وقال بعضهم: كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سفاحًا. وقد اتفق أئمة الفتوي كلهم أنه إذا اشترط التحليل في العقد كان باطلاً. وبعضهم لم يجعل للشـرط المتقدم ولا العرف المطرد تأثيرًا، وجعل العقد مع ذلك كالنكاح المعروف نكاح الرغبة. وأما الصحابة والتابعون وأكثر أئمة الفتيا فلا فرق عندهم بين هذا العرف واللفظ، وهذا مذهب أهل المدينة، وأهل الحديث، وغيرهما. والله أعلم.
/فأجاب: ثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه، ولعن الله المحلل، والمحلل له، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وثبت إجماع الصحابة على ذلك ـ كعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس وغيرهم ـ حتى قال عمر: لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما. وقال عثمان: لا نكاح إلا نكاح رغبة، لا نكاح دلسة. وسئل ابن عباس عن من طلق امرأته مائة طلقة؟فقال: بانت منه بثلاث، وسائرها اتخذ بها آيات الله هزوًا. فقال له السائل: أرأيت إن تزوجتها وهو لا يعلم؛ لأحلها ثم أطلقها؟فقال له ابن عباس: من يخادع الله يخدعه. وسئل عن ذلك فقال: لا يزالان زانيين وإن مكثا عشرين سنة؛ إذا علم الله من قلبه أنه يريد أن يحلها له. وقد بسطنا الكلام في هذه المسألة في كتاب: [بيان الدليل على بطلان التحليل]، وهذا لعمري إذا كان المحلل كبيرًا يطأها ويذوق عسيلتها، وتذوق عسيلته. فأما العبد الذي لا وطئ فيه، أو فيه ولا يعد وطؤه وطأ، كمن لا ينتشر ذكره، فهذا لا نزاع بين الأئمة في أن هذا لا يحلها. ونكاح المحلل مما يعير به النصاري المسلمين، حتى يقولون: إن المسلمين قال لهم نبيهم: إذا طلق أحدكم امرأته لم تحل له حتى تزني. ونبينا صلى الله عليه وسلم بريء من ذلك هو وأصحابه والتابعون لهم بإحسان وجمهور أئمة المسلمين. والله أعلم.
وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ـ رحمه الله: الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.
الشروط الفاسدة في النكاح كثيرة كنكاح الشغار والمحلل والمتعة، ومثل أن يتزوجها على أن لا مهر لها، أو على مهر محرم، ونحوذلك من الشروط الفاسدة. وللعلماء فيها أقوال: أحدها: أنه لا يصح النكاح. ثم هل يصح إذًا إمضاء الشرط الفاسد بعد ذلك؟فيه نزاع. وهذا أحد القولين في مذهب مالك وأحمد، وهو اختيار طائفة من أئمة أصحابه ـ كأبي بكر الخلال، وأبي بكر عبد العزيز. /والثاني: يصح النكاح، ويبطل الشرط، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه في الجميع، وخرج ذلك طائفة من أصحاب أحمد كأبي الخطاب وابن عقيل وغيرهما قولا في مذهبه، حتى في النكاح الباطل، فإن أبا حنيفة وصاحبيه يقولون ببطلانه، وزفر يصحح العقد ويلغي الأصل، وقد خرج كلاهما قولاً في مذهب أحمد، وهذا التخريج من نصه في قوله: إن جئتني بالمهر إلى وقت كذا، وإلا فلا نكاح بيننا. فإنه حكي عنه فيه ثلاث روايات: رواية بصحتهما. ورواية بفسادهما. ورواية بصحة العقد دون الشرط. وكذلك فيما إذا تزوجها على أن ترد إليه المهر، فقد نص على صحة العقد، وبطلان الشرط. والقول الثالث: في الشروط الفاسدة: أنه يبطل نكاح الشغار والمتعة، ونكاح التحليل المشروط في العقد، ويصح النكاح مع المهر المحرم ومع نفي المهر. وهذا مذهب الشافعي ـ وهو الرواية الثانية عن أحمد اختارها كثير من أصحابه: كالحربي، والقاضي أبي يعلى، وأتباعه ـ وهؤلاء يفرقون بين ما صححوه من عقود النكاح مع الشرط الفاسد، وما أبطلوه بأن الشرط إذا انتفي وقع النكاح؛ وإلا كان باطلاً كنكاح المتعة وكذلك نكاح التحليل إذا قدره بالفعل مثل أن يقول: زوجتكها إلى أن تحلها. وأما إذا قال: على أنك إذا أحللتها فلا نكاح بينكما، أو على أنك تطلقها إذا أحللتها، فهذا فيه نزاع في مذهب الشافعي. وأبو يوسف يوافق الشافعي على قوله ببطلانه. /وأما نكاح الشغار فلهم في علة إبطاله أقوال: هل العلة التشريك في البضع؟أو تعليق أحد النكاحين على الآخر؟أو كون أحد العقدين سلفًا من الآخر؟إلى غير ذلك مما ذكر بأقلامهم في غير هذا الموضع. وأما النكاح بالمهر الفاسد وشرط نفي المهر فصححوه موافقة لأبي حنيفة، بناء على أن النكاح يصح بدون تسمية المهر، فيصح مع نفي المهر. وهؤلاء جعلوا نكاح المتعة أصلاً لما يبطلونه من الأنكحة، ونكاح المفوضة أصلاً لما يصححونه، ونكاح الشغار جعلوه نوعًا آخر، وهذا أصل قول أبي حنيفة في الشروط الفاسدة في النكاح، والفرق بينها وبين الشروط الفاسدة في البيع والإجارة؛ فإنه قال: إنه لا يصح مع عدم تسمية العوض، فلا يصح مع الجهل به، ولا مع الشروط الفاسدة؛ لأن ذلك يتضمن الجهل بالعوض؛ لأنه يجب إسقاط الشرط الفاسد، وإسقاط ما يقابله من الثمن، فيكون باقي الثمن مجهولاً. وقد احتج الأكثرون على هؤلاء بالنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنهيه عن نكاح الشغار، وعن نكاح التحليل، كنهيه عن نكاح المتعة. والنهي عن النكاح يقتضي فساده، كنهيه عن النكاح في العدة، والنكاح بلا ولي، ولا شهود. وبأن الصحابة أبطلوا هذه العقود، ففرقوا بين الزوجين في نكاح الشغار، وجعلوا نكاح التحليل سفاحًا، وتوعدوا المحلل بالرجم، ومنعوا من غير نكاح الرغبة، كما ذكرنا الآثار الكثيرة عنهم بذلك في كتاب [إبطال التحليل]، فتبين بالنصوص وإجماع الصحابة فساد هذه الأنكحة. /ولأن النكاح إذا قيل بصحته ولزومه: فإما أن يقال بذلك مع الشرط المحرم الفاسد، وهذا خلاف النص والإجماع. وإما أن يقال به مع إبطال الشرط، فيكون ذلك إلزامًا للعاقد بعقد لم يرض به ولا ألزمه الله به. ومعلوم أن موجب العقد: إما أن يلزم بإلزام الشارع؛ أو إلزام العاقد. فالأول كالعقود التي ألزمه الشارع بها، كما ألزم الشارع الكافر الحربي بالإسلام، وكما ألزم من عليه يمين واجبة حنث فيها بواحدة بالإعتاق والصوم، وكما ألزم من احتج إلى سوي ذلك. . . بالبيع والشراء في صور متعددة. و [الثاني] المقابلة. . . وكما يلزم الضامن دين المدين مع بقائه في ذمته، وكما يلتزم كل من المتبايعين والمتصالحين والمتآجرين بما يلتزمه للآخر. وإذا كان كذلك، فالنكاح المشروط فيه شرطًا فاسدًا لم يلزم الشارع صاحبه أن يعقده بدون ذلك الشرط، ولا هو التزم أن يعقده مجردًا عن الشرط. فإلزامه بما لم يلتزمه هو ولا إلزامه به الشارع إلزام للناس بما لم يلزمهم الله به ولا رسوله، وذلك لا يجوز؛ ولأن الشروط في النكاح أوكد منها في البيع، بدليل قوله في الحديث الصحيح: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج). ثم البيع لا يجوز إلا بالتراضي؛ لقوله تعالى: ولهذا قال أصحاب أحمد ـ كالقاضي أبي يعلى وغيره ـ: إذا صححنا البيع دون الشرط الفاسد ـ على إحدى الروايتين عنه ـ فلمشترط الشرط إذا لم يعلم تحريمه الفسخ، أو المطالبة بأرش فواته؛ كما قالوا مثل ذلك في الشرط الصحيح إذا لم يوف به، لكن الشرط الصحيح يلزم الوفاء به كالعقد الصحيح، وإذا لم يوف به فله الفسخ مطلقا؛ لأنه لم يرض بدونه. وأما الشرط الفاسد، فلا يلزم الوفاء به، كما لا يلزم الوفاء بالعقد الفاسد، لكن له ـ أيضا ـ العقد بدونه، وله فسخ العقد، كما لو اشترط صفة في البيع فلم يكن على تلك الصفة، وكما لو ظهر بالبيع عيب. فأحمد ـ رضي اللّه عنه ـ يقول في البيع مع الشرط الفاسد: إنه يصح البيع في إحدى الروايتين، بل في أنصهما عنه؛ لأن فوات الشرط والصفة لا يبطل البيع، والمشترط ينجبر ضرره بتخليته من الفسخ، كما في فوات الصفات المشروطة، ومن العيـوب. وأمـا النكاح فالشروط فيه ألـزم. وإذا شـرط صفة في أحـد الزوجـين كالشـرط الأوفي ـ في إحدى الروايتين، وهو أحد الوجهين لمالك والشافعي ـ ملك الفسخ لفواتها، وكذلك له الفسخ عنده بالعيوب المانعة من مقصود النكاح. . . ويملك الفسخ، وأما التحليل فهو غير مقصود، والمقصود في العقود عنده معتبر، والمتعة نكاح إلى أجل، والنكاح لا يتأجل. /والشغار، علله ـ هو وكثير من أصحابه كالخلال وأبي بكر عبد العزيز ـ بنفي المهر، وكونه جعل أحد البضعين مهراً للآخر، وهذا تعليل أصحاب مالك، وعلله كثير من أصحابه بتعليل أصحاب الشافعي. يبقي أن يقال: فكان ينبغي مع الشرط الفاسد أن يخير العاقد بين التزام العقد بدونه وبين فسخه، كما في الشروط الفاسدة في البيع. قيل: إن قلنا: إن النكاح لا ينعقد إلا بصيغة الإنكاح والتزويج؛ لأن ذلك هو الصريح فيه، وهو لا ينعقد بالكناية ـ كما يقوله أبو حامد والقاضي أبو يعلى وأتباعهما من أصحاب أحمد موافقة لأصحاب الشافعي ـ وقلنا: إن البيع يصح فيه شرط الخيار دون النكاح، ظهر الفرق؛ لأن البيع يمكن عقده جائزاً بخلاف النكاح. والمصححون لنكاح التحليل والشغار ونحوهما قد يقولون: ما نهي عنه النبي صلى الله عليه وسلم لم نصححه؛ فإنا لا نصححه مع كونه شغاراً وتحليلا ومتعة، ولكن نبطل شرط أصل العقد في المهر، ونبطل شرط التحليل، كذلك شرط التأجيل عند من يقول بذلك. ويبقي العقد لازما ليس فيه شغار ولا تحليل؛ ولهذا قال أصحاب أبي حنيفة في أحد القولين: إنه يصح نكاح التحليل، ولا تحل به للمطلق ثلاثا؛ عملا بقوله: (لعن اللّه المحلل والمحلل له)، فإنهم إنما يصححونه مع إبطال شرط التحليل، فيكون نكاحا لازما، ولا يحلونها / للأول؛ لأنه إذا أحلت للأول قصد بذلك تحليلها للأول، فإذا لم تحل به للأول لم يقصد به التحليل للأول، فلا يكون نكاح تحليل. وعلى هذا القول، لا ينكح أحد المرأة إلا نكاح رغبة، لا نكاح تحليل، ولو نكحها بنية التحليل أو شرطه ثم قصد الرغبة هي وهو وأسقطها شرط التحليل، فهل يحتاج إلى استئناف عقد؟أم يكفي استصحاب العقد الأول؟فيه نزاع. وهو يشبه إسقاط الشرط الفاسد في البيع: هل يصح معه أم لا وهو قصد؟ومثله إذا عقد العقد بدون إذن من اشترط إذنه: هل يقع باطلا وموقوفا على الإجازة؟ فيه قولان مشهوران، وهما قولان في مذهب أحمد: أحدهما: أنه يقع باطلا، ولا يوقف، كقول الشافعي. الثاني: أنه يقف على الإجازة، كقول أبي حنيفة ومالك، فإذا عقد العقد بنية فاسدة أو شرط فاسد فقد يقول: إنه على القولين في الوقف؛ فمن قال بالوقف وقفه على إزالة المفسد، ومن لا فلا. فزوال المانع كوجود المقتضي. وإذا كان موقوفا على حصول بعض شروطه، فهو كالوقف على زوال بعض موانعه. . إذ جعلتموه زوجا مطلقا يلزمها نكاحه فقد ألزمتموها بنكاح لم ترض به، وهذا خلاف الأصول والنصوص وأصح الأقوال في هذا الباب: أن الأمر إليها فإن رضيت بدون ذلك الشرط كان زوجا، ولا يحتاج إلى استئناف عقد. وإن لم ترض به لم يكن زوجا: كالنكاح الموقوف على إجازتها، وكذلك في النكاح / على مهر لم يسلم لها؛ لتحريمه، أو استحقاقه فإن شاءت أن ترضي به زوجا بمهر آخر كان ذلك، وإن شاءت أن تفارقه فلها ذلك، وليس قبل رضاها نكاح لازم.
فأجاب: الحمد للّه، نعم تصح هذه الشروط وما في معناها في مذهب الإمام أحمد، وغيره من الصحابة والتابعين وتابعيهم: كعمر بن الخطاب، وعمرو بن العاص ـ رضي اللّه عنهما ـ وشريح القاضي، والأوزاعي، وإسحاق؛ ولهذا يوجد في هذا الوقت صداقات أهل المغرب القديمة لما كانوا على مذهب الأوزاعي فيها هذه الشروط. ومذهب مالك إذا شرط أنه إذا تزوج عليها أو تسري أن يكون أمرها بيدها ونحو ذلك، صح هذا الشرط ـ أيضا ـ وملكت الفرقة به. وهو في المعني نحو مذهب أحمد في ذلك؛ لما أخرجاه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج). وقال عمر بن الخطاب: مقاطع الحقوق عند الشروط /فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ما يستحل به الفروج من الشروط أحق بالوفاء من غيره، وهذا نص في مثل هذه الشروط؛ إذ ليس هناك شرط يوفي به بالإجماع غير الصداق والكلام، فتعين أن تكون هي هذه الشروط. وأما شرط مقام ولدها عندها، ونفقته عليه، فهذا مثل الزيادة في الصداق، والصداق يحتمل من الجهالة فيه ـ في المنصوص عن أحمد وهو مذهب أبي حنيفة ومالك ـ ما لا يحتمل في الثمن والأجرة. وكل جهالة تنقص على جهالة مهر المثل تكون أحق بالجواز؛ لاسيما ومثل هذا يجوز في الإجارة ونحوها في مذهب أحمد وغيره: إن استأجر الأجير بطعامه وكسوته، ويرجع في ذلك إلى العرف، فكذلك اشتراط النفقة على ولدها يرجع فيه إلى العرف بطريق الأولى. ومتى لم يوف لها بهذه الشروط فتزوج، وتسري، فلها فسخ النكاح. لكن في توقف ذلك على الحاكم نزاع؛ لكونه خيارآً مجتهدا فيه، كخيار العنة والعيوب؛ إذ فيه خلاف. أو يقال: لا يحتاج إلى اجتهاد في ثبوته، وإن وقع نزاع في الفسخ به، كخيار المعتقة: يثبت في مواضع الخلاف عند القائلين به بلا حكم حاكم مثل أن يفسخ على التراخي. وأصل ذلك أن توقف الفسخ على الحكم هل هو الاجتهاد في ثبوت الحكم ـ أيضا؟أو أن الفرقة يحتاط لها؟والأقوي: أن الفسخ المختلف فيه كالعنة لا يفتقر إلى حكم حاكم، لكن إذا رفع إلى حاكم يري فيه إمضاءه أمضاه، وإن رأي إبطاله أبطله. واللّه أعلم.
فأجاب: الحمد للّه، نعم تكون صحيحة لازمة إذا لم يبطلاها، حتى لو قارنت عقد العقد. هذا ظاهر مذهب الإمام أبي حنيفة والإمام مالك وغيرهما في جميع العقود، وهو وجه في مذهب الشافعي: يخرج من مسألة صداق السر والعلانية. وهكذا يطرده مالك وأحمد في العبادات؛ فإن النية المتقدمة عندهما كالمقارنة. وفي مذهب أحمد قول ثان: أن الشروط المتقدمة لا تؤثر. وفيه قول ثالث، وهو الفرق بين الشرط الذي يجعل غير مقصود، كالتوطؤ على أن البيع تلجئة لا حقيقة له، وبين الشرط الذي لا يخرجه عن أن يكون مقصوداً، كاشتراط الخيار ونحوه. وأما عامة نصوص أحمد وقدماء أصحابه ومحققي المتأخرين على أن الشروط والمواطأة التي تجري بين المتعاقدين قبل العقد إذا لم يفسخاها حتى عقدا العقد، فإن العقد يقع / مقيدا بها، وعلى هذا جواب أحمد في مسائل الحيل في البيع، والإجارة، والرهن، والقرض، وغير ذلك. وهذا كثير موجود في كلامه وكلام أصحابه، تضيق الفتوي عن تعديد أعيان المسائل. وكثير منها مشهور عند من له أدني خبرة بأصول أحمد ونصوصه، لا يخفي عليه ذلك. وقد قررنا دلائل ذلك من الكتاب والسنة وإجماع السلف وأصول الشريعة في مسألة التحليل. ومن تأمل العقود التي كانت تجري بين النبي صلى الله عليه وسلم وغيره مثل عقد البيعة التي كانت بينه وبين الأنصار ليلة العقبة، وعقد الهدنة الذي كان بينه وبين قريش عام الحديبية، وغير ذلك؛ علم أنهم اتفقوا على الشروط ثم عقدوا العقد بلفظ مطلق، وكذلك عامة نصوص الكتاب والسنة في الأمر بالوفاء بالعقود والعهود والشروط والنهي عن الغدر، والثلاث تتناول ذلك تناولا واحداً؛ فإن أهل اللغة والعرف متفقون على التسمية، والمعاني الشرعية توافق ذلك.
فأجاب: إذا كان الأمر على ما ذكر فلا يحل إقرارها معه على هذه الحالة بل إذا تعذر أن يعاشرها بالمعروف فرق بينهما، وليس له أن يطأها وطأ يضر بها، بل إذا لم يمتنع من العدوان عليها فرق بينهما. واللّه أعلم.
فأجاب: لا يجب عليه ما هو عاجز عنه، لا سيما إذا شرطت الرضي بذلك بل إذا كان قادراً على مسكن آخر لم يكن لها عند كثير من أهل العلم ـ كمالك وأحد القولين في مذهب أحمد وغيرهما ـ غير ما شرط لها، فكيف إذا كان عاجزاً؟وليس لها أن تفسخ النكاح عند هؤلاء وإن كان قادرآً. فأما إذا كان ذلك للسكن ويصلح لسكني الفقير وهو عاجز عن غيره فليس لها أن تفسخ بلا نزاع بين الفقهاء. وليس عليه أن يمكن من الدخول إلى منزله لا أمها ولا أختها إذا كان معاشراً لها بالمعروف. واللّه أعلم.
/ فأجاب: هذا الشرط غير لازم في مذهب الإمام الشافعي. ولازم له في مذهب أبي حنيفة: متى تزوج وقع به الطلاق، ومتى تسري عتقت عليه الأمة، وكذلك مذهب مالك. وأما مذهب أحمد فلا يقع به الطلاق ولا العتاق، لكن إذا تزوج وتسري كان الأمر بيدها: إن شاءت أقامت معه، وإن شاءت فارقته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق الشروط أن يوفي به ما استحللتم به الفروج). ولأن رجلا تزوج امرأة بشرط ألا يتزوج عليها، فرفع ذلك إلى عمر، فقال: مقاطع الحقوق عند الشروط، فالأقوال في هذه المسألة ثلاثة: أحدها: يقع به الطلاق والعتاق. والثاني: لا يقع به، ولا تملك امرأته فراقه. والثالث ـ وهو أعدل الأقوال ـ: أنه لا يقع به طلاق ولا عتاق؛ لكن لامرأته ما شرط له: فإن شاءت أن تقيم معه، وإن شاءت أن تفارقه، وهذا أوسط الأقوال.
/ فأجاب: الحمد للّه رب العالمين، له أن يتزوجها، ولا يقع بها الطلاق إذا تزوجها عند جمهور السلف، وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما. وإذا شرط في العقد أنه لا يتزوج عليها، وإن تزوج عليها كان أمرها بيدها، كان هذا الشرط صحيحا لازما في مذهب مالك وأحمد وغيرهما. ومتى تزوج عليها فأمرها بيدها إن شاءت أقامت، وإن شاءت فارقت. واللّه أعلم.
|